قراري الجريء: ليش اخترت الطريق الأصعب لتحقيق أكبر
هل العالمية صعبة قوية؟
على مدار السنوات الماضية، حرصت على العمل في شركات تقنية ناشئة، وكان أهم معيار لي هو أن يكون مديري هو مؤسس الشركة نفسه. كان هدفي أن أتعلم مباشرة من الأفضل، وأن أمتلك التمكين الكافي لأجرب وأستكشف واصقل مهاراتي. كنت مدركًا تمامًا أنني لن أكمل في السلك الوظيفي التقليدي، وأنني سأبني كيانًا تجاريًا خاصًا بي. لذلك، كان من الأفضل أن أكتسب كل المعرفة الممكنة في وقت قصير، ولا توجد بيئة للتعلم السريع والتمكين أكثر من تلك الشركات الناشئة.
الاحتكاك بقطاع الأعمال
بحكم عملي المستمر في قطاع الأعمال بين الشركات (B2B)، احتككت بأنواع وأشكال مختلفة من المؤسسات التجارية، من مقاولات ومطاعم ووكالات وبقالات وغيرها. خلال تلك الفترة، وصلت إلى قناعة أن مشروعي القادم سيكون وكالة تسويقية، حيث رأيت فجوة كبيرة في السوق ونهضة للتجارة الالكترونية غير مسبوقة تحتاج الى قطاعات موازية تساعدها، واعتقد أنها أسهل وأسرع طريقة لتحقيق الاستقلال المالي. ولكن كل هذا تغير في لحظة...
التغيير في المسار
كنت قد عزمت على فتح وكالة، وصرفت النظر عن بناء شركة تقنية لأسباب منطقية، أهمها أنني رأيت تحسنًا كبيرًا في القطاع، وتوقع وفرة من الشركات الجديدة، ولم أرغب في خوض تجربة تأسيس شركات تقنية عالية المخاطر. لكن...
من خلال مشاركتي المستمرة في الفعاليات التقنية العالمية مثل Sastr ومجتمعات البرمجيات العالمية ، وكذلك دخولي في مشاريع مشتركة مع شركات عالمية، وصلت إلى قناعة جدلية قد لا يصدقها البعض.
“البرمجيات السعودية قادرة على الاكتساح عالميا”
البرمجيات السعودية، من حيث الجودة، تنافس وربما تتفوق على العديد من البرمجيات المشابهة لها عالميًا. ومع ذلك، لا نجد أي برمجيات سعودية تنافس على مستوى عالمي حقيقي (إعلان التوسع للخارج وفتح مكتب في دولة أخرى لا أعتبره مقياسًا حقيقيًا)او يشكل تصدير البرمجيات للخارج الاغلبية من دخلها.
الكثير قد يعتقد أن ذلك بسبب التفوق الأمريكي والاسيوي الواضح. لكن أقولها بصريح العبارة، كشخص يعمل في بناء البرمجيات لسنوات عديدة واحتك بالعديد منها، في كثير من الحالات، شركات البرمجيات السعودية لديها نضج تقني كافٍ لمنافسة نظيراتها (خصوصًا في مجالات B2B SaaS).
التحديات والفرص
ما يميزنا في السعودية هو وجود تبني عالٍ من المجتمع للتقنية (المتبنون الأوائل)، ودعم قوي من المشرعين،و سيولة عاليم ثم شجاعة وحس مخاطرة عالي من المؤسسين. إنها وصفة قوية لنجاح أي شركة. وبالفعل، من الموجة الأولى للشركات التقنية (2015 إلى 2018)، خرجت منتجات تقنية غيرت العديد من القطاعات مثل فوديكس، قيود، زد، وسلة.
على سبيل المثال، أنا بنفسي عملت في مجال أنظمة الكاشير، وأقولها بصراحة: برنامج فوديكس ينافس نظيره العالمي مثل Toast وSquare.
التحديات الثقافية
من الأمور التي لا يعرفها الكثيرون أن البرمجيات الموجهة للتجار (SAAS B2B) في السعودية من أصعب المجالات، حيث تتنوع السعودية ثقافيًا. سلوك التاجر في المنطقة الغربية يختلف عن سلوكه في المنطقة الوسطى. ثم هناك أبعاد أخرى أكثر عمقًا؛ فالكثير من المشاريع الصغيرة والمتوسطة يوجد بها موظفون من عدة دول وأعراق. قد نكون من البلدان القليلة حول العالم التي لديها هذا التنوع الثقافي والعرقي في المشاريع الصغيرة.
هذا يشكل تحديًا كبيرًا: كيف نبني تجربة برنامج تحل نقاط ألم المؤسسات، مع مراعاة جميع مستخدمي النظام، من المالك السعودي إلى المدير العربي أو المشغل الآسيوي؟ تتعدد السلوكيات، ومهمة الشركة التقنية هي بناء برنامج يراعي الجميع. لذلك، التجربة السعودية في بناء البرمجيات B2B قد تكون من الأميز والأكثر نضجًا حول العالم.
الأخطاء الشائعة
إذا كانت البرمجيات السعودية ناضجة على مستوى عالمي لماذا لا نراها تنافس على مستوى عالمي؟ يرأيي السبب هو عدم إيماننا الكافي بالمنافسة على مستوى أعلى خصوصاِِِ لعدم وجود سابقة تاريخية نستطيع الاستلهام منها. لذلك، سابقاً انتقل العديد من مؤسسي الشركات الناشئة للمسار الأقل صعوبة (وفي الحقيقة هو سهل في البداية، لكنه أصعب عشر مرات في النهاية)، وهو التوسع إلى الدول المجاورة، والتي عادة ما يكون حجم سوقها أصغر أو تعاني أسواقها التجارية من مشاكل هيكلية.
ومع ذلك، حققت العديد من الشركات الناشئة (مثل فوديكس كمثال) تفوقًا واضحًا في تلك الأسواق، ولكن لم تحقق معدلات النمو المرجوة بسبب مشاكل في السوق نفسه وليس في التنفيذ أو استراتيجية الدخول إلى السوق. الحقيقة التي تعلمناها من الجيل الأول من البرمجيات السعودية هي أن التوسع إلى الدول المجاورة قد ينجح، ولكن مصيره التوقف، ولا تستطيع البرمجيات النمو بشكل صحي والمشكلة في السوق وليست اللاعب.
النموذج الأمثل للتوسع
النموذج الأصح هو نموذج شركات التي تبدأ من أوروبا الشرقية والهند وإسرائيل (المحتلة)، حيث بمجرد التفوق في السوق المحلية، يتم التوسع مباشرة إلى سوق أكبر حجمًا وأكثر نضجًا مثل أمريكا الشمالية أو شرق آسيا او اوروبا. الانتقال إلى أسواق مجاورة غير مفيد؛ فنحن نعيش في عصر التقنية، والحدود الجغرافية لا تلعب الدور الكبير الذي نعتقده.
القرار الشخصي
بعد تمحيص واستخارة، وبالرغم من إيماني بوجود درب أسهل للاستقلال المالي وهو فتح وكالة تسويق، شعرت أن هناك رسالة أو مخاطرة يجب أن تؤخذ من شركة سعودية. بعد سنوات من تراكم الخبرات البرمجية، وسنوات من تطوير نماذج أعمال مختلفة، شعرت آن قد حانت اللحظة ان ابني شركة تقنية تخترق سوق البرمجيات العالمي.
وما زادني يقينًا هو خبرتي ومعرفتي الدقيقة بكيفية بناء تجربة مفيدة لأي تاجر، مهما كان عرقه أو لونه أو دينه. في النهاية، نقاط ألم التجار حول العالم متقاربة ورهاني وصلنا للمرحلة التي نستطيع تصدير البرمجيات للخارج وتغيير خارطة اللعبة على نطاق عالمي.
كيف نبني برنامج ينافس على مستوى عالمي؟
برأيي، الطريقة الصحيحة للتوسع العالمي هي أن تبني منتجًا يبيع نفسه. ما يميز التقنية أنه لا توجد أفضلية للاعب المحلي. فمثلاً، لو كان لديك مشروع تأجير سيارات، فستحتاج إلى شراء سيارات في كل بلد، أو لو كان لديك مشروع مطعم، فستحتاج إلى فروع. وهذا على عكس البرمجيات، التي هي بكل بساطة عبارة عن أسطر برمجية يمكن تشغيلها من أي مكان في العالم.
التحدي هو عدم الوقوع في استراتيجية النمو بفريق مبيعات، بل التركيز على منتج ينمو بذاته ويبيع نفسه عن طريق التسجيل والتجربة الذاتية، دون الحاجة لمندوب مبيعات. هذا ما يسمى بـ "النمو المدفوع بالمنتج" (Product Led Growth).
التوسع البشري هي وصفة صعبة للتصدير، حيث ستضطر لفتح مكتب مبيعات في كل دولة، والتعامل مع تشريعات مختلفة، ثم ترتفع التكاليف، وتجد صعوبة في بناء نموذج عمل صحي لا يحتاج إلى تدفق مالي مستمر من المستثمرين.
أمثلة ناجحة
ما اقوله ليس جديد بل حصل في العديد من المرات وهي مدرسة معروفة في بناء البرمجيات و ليست من عندي، وهي الطريقة التي اعتمدت عليها العديد من الشركات العالمية مثل Zoho من الهند، Fresha من الإمارات، GetResponse من بولندا، وMonday من إسرائيل والان جميع هذه الشركات تكتسح على مستوى عالمي.
والعجيب ان هذه الشركات لم تفتح مكاتب في كل دولة تتوسع لها؛ كل العملية تتم رقميًا. نحن نعيش في عصر تعبر فيه المنتجات القارات، خصوصًا إذا كنت تبيع برنامجًا، وهو منتج غير محسوس ولا يتطلب شحنًا. فلماذا يجب أن تتواجد في كل دولة؟
الخاتمة
خلال عام 2023، بدأت تتشكل لدي القناعة: لماذا لا تنافس البرمجيات السعودية على مستوى عالمي؟ عزمت على تكوين الفريق الحلم في القطاع الحلم، وبدأت مهمة جديدة لتحقيق هذا الأثر، ولعلني أشارككم ما تعلمته خلال هذه الرحلة. تخليت عن أفكاري في إنشاء شركة تسويق، وسلكت المسار الأصعب، ورأيت أن الأثر أهم والبرمجيات ستكون المحور الذي العب فيه العقد القادم.
في نهاية السنة، أسسنا شركة "ركاز"، وهي شركة برمجيات سعودية تركز على فجوة كبيرة في السوق، وهي برمجيات الخدمات. حيث العديد من الشركات مثل العيادات الطبية، الصالونات، الأندية الرياضية، والخدمات المنزلية تعاني في إيجاد برنامج يساعدها في إدارة الحجوزات والاشتراكات.
أنا وشريكي عبدالعزيز الخراشي تعلمنا العديد من الدروس في السنوات السابقة، ولدينا هدف صارم: في السنوات المقبلة، سنكون أول "يونيكورن" سعودي يحصل على 50٪ من إيراداته من تصدير البرمجيات للخارج.
النشرة البريدية
اشترك عشان يوصلك جديد ما اكتب من افكار وتجارب رهيبة.